نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خريطة العمارة السعودية - نبأ العرب, اليوم الأحد 23 مارس 2025 12:00 صباحاً
في الأسبوع الماضي استبشرنا خيرا بإطلاق مشروع «خريطة العمارة السعودية» الذي أعلن عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ضمن برنامج يعنى بالإرث العمراني وتعزيز جودة الحياة وتطوير المشهد الحضري في المدن السعودية، وبما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. يسعى هذا المشروع الطموح إلى استنطاق القيم الثقافية والتاريخية والطبيعية للمدن السعودية، وإعادة إحيائها من خلال 19 طرازا معماريا مستوحى من خصائص كل منطقة أو إقليم. يرتبط هذا المشروع بمستهدفات الرؤية السعودية من كونه يؤكد على إعادة بناء الهوية العمرانية للمدن، ويحافظ على الإرث الثقافي والتاريخي السعودي، ويساهم في تنمية إيرادات المدن.
لقد تأثرت المدن السعودية خلال العقود الماضية بالبناء والتطوير دون وجود إطار ثقافي يأخذ في عين الاعتبار علاقة المجتمع بصناعة العمران. في الواقع لا يمكننا تخطيط أو تصميم بيئة عمرانية دون أن نستوعب ثقافة المجتمع واحتياجاته واقتصاداته. فعلى الرغم من وجود برامج للحفاظ العمراني للمناطق التاريخية؛ إلا أنها غالبا ما تكون بعيدة عن الارتباط مع سياقها الحضري مما يجعلها أشبه بمزارات سياحية منفصلة عن المدن. كما تم استيراد العديد من المخططات العمرانية لأحياء سكنية كانت بعيدة كل البعد عن ثقافة المجتمع ودون مواءمة كافية للخصائص الطبيعية. ولم نحاول حينها استحضار أنماط العمارة التقليدية والتي طُمس الكثير منها بدافع الحداثة والتطوير. تم الاحتفاء بأحياء سكنية مستوردة رسمتها أياد خبير أجنبي وبنيت على نظام تخطيطي مكرر دون فهم التباين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فالشوارع متعامدة تتوزع على جانبيها بلوكات مستطيلة فمساكن مربعة الشكل بارتدادات تفصلها عن الجوار. وفي العمارة يكاد يكون نموذج الفيلا المعاصرة المبنية بالإسمنت النموذج المكرر في معظم المدن على الرغم من التباين الطبوغرافي والطبيعي والاجتماعي بين المدن الساحلية والجبلية؛ وبين المناخ الرطب والجاف. لم نفكر بإعادة تحديث التشريعات العمرانية والبنائية انسجاما من طبيعية التنوع ولم يكن هناك هوية واضحة تعكس ثقافة كل مدينة.
إن مشروع «خريطة العمارة السعودية» يمثل إعادة تأصيل لهوية عمرانية لا تركز على الإطار الفيزيقي فحسب؛ بل إدراك أثر «الثقافة السعودية» على الاقتصاد والمجتمع المحلي. وهو ما يعني إعادة استنطاق البنية المادية والموارد الكامنة في المدن لصناعة ثقافة تعزز من جاذبية المدن.
المأمول أن تعيد «خريطة العمارة السعودية» رسم مسار العمارة السعودية للاتجاه نحو الأصالة والتفرد بعيدا عن استيراد نماذج عمرانية أو معمارية خارج نطاق «الثقافة السعودية». تلك القيم الإنسانية تأخذنا إلى أبعاد فلسفية للتصميم المادي والحلول التي ابتدعها الإنسان السعودي لكي تتوافق مع المناخ والبيئة الصحراوية القاسية. قيم معمارية نستلهم من خلالها دروسا من الماضي لبناء الحاضر واستشراف المستقبل. اليوم تشكل «خريطة العمارة السعودية» أنموذج بناء الهوية السعودية التي تؤكد على استحضار الميزة النسبية للمدن السعودية بما في ذلك المجتمع، واقتصاديات السكان، والثقافة، والخصائص الطبيعية والمكانية. يعزز هذا المشروع من انتماء المجتمع للمكان وتواصل الأجيال دون صهرها في قالب أو ثقافة عمرانية واحدة.
وأخيرا، فإن مشروع خريطة العمارة السعودية هو خطوة هامة أعادت تموضع مسار المدن السعودية نحو هوية الإنسان والمكان. ويبقى التحدي الحاسم في تنفيذ الخطوات الإرشادية في المشروع على أرض الواقع، وهو ما يعني العمل على تحديث التشريعات العمرانية القائمة والمسار الإجرائي للتطوير العقاري في إطار الاستدامة.
0 تعليق