ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية اليوم بشكل مفاجئ هل التميز الإماراتي في الدبلوماسية الاقتصادية نتيجة مصادفة أم رؤية مستقبلية واضحة؟

ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية اليوم بشكل مفاجئ  
هل التميز الإماراتي في الدبلوماسية الاقتصادية نتيجة مصادفة أم رؤية مستقبلية واضحة؟

تستند السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى رؤية استشرافية تعكس انخراطها الفاعل مع العالم، وفي هذا الإطار، تبرز الدبلوماسية الاقتصادية كأداة حيوية تجمع بين التعاون الدولي وأهداف التنمية الوطنية.

لم يعد الاقتصاد والدبلوماسية مجالين منفصلين، بل أصبح تكاملهما ضرورة لتعزيز التحالفات الاستراتيجية والمساهمة في استقرار النظام العالمي.

لا يمكن فصل الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات عن الجهود الوطنية الأخرى، فهي تعتمد على تنسيق متكامل يجمع بين أدوات الحوكمة واستراتيجيات الاستثمار والانفتاح على الأسواق العالمية بهدف تحقيق مصالح مشتركة مع الشركاء الدوليين. تتجاوز هذه الدبلوماسية التفاوض التجاري أو الترويج للصادرات فحسب، بل تشمل تعزيز العلاقات الاقتصادية المتبادلة وتسهيل تنفيذ الاتفاقيات متعددة الأطراف. تلعب البعثات الدبلوماسية الإماراتية، بالتعاون الوثيق مع الوزارات والجهات الحكومية المعنية بالشأن الاقتصادي والصناديق السيادية مثل جهاز أبوظبي للاستثمار و«مبادلة»، دوراً مهماً في تمكين الشركات الإماراتية من التوسع نحو أسواق جديدة وجذب الاستثمارات النوعية إلى الدولة. وقد انعكست هذه الجهود إيجاباً على الأداء الاقتصادي للدولة حيث احتلت دولة الإمارات المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2023، حيث بلغ حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 30.7 مليار دولار أميركي بنمو تجاوز 35% مقارنة بالعام السابق وفقاً لتقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي لعام 2024 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد».

كما بلغت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو 74.6% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 بقيمة بلغت 987 مليار درهم وبمعدل نمو بلغ 4.5%، مما يعكس تنوعاً اقتصادياً فعلياً ونمواً مستداماً.

هذا التقدم الاقتصادي يتزامن أيضاً مع صعود الدولة في المؤشرات العالمية حيث حصلت الإمارات على المركز الأول عالمياً في 223 مؤشراً للتنافسية العالمية لعام 2024. كما جاءت في المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة الأميركية من حيث عدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة خلال عام 2023 بتسجيلها 1323 مشروعاً جديداً بنسبة نمو بلغت نحو 33 بالمئة مقارنة بعام 2022، مما يعكس فعالية السياسات الاقتصادية والدبلوماسية التي تتبعها الدولة.

يؤكد الإصدار الثاني من «تقرير الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات»، الذي أصدرته أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية مؤخراً بمشاركة 14 خبيراً من مختلف أنحاء العالم، أهمية هذا النهج؛ فهو يمثل فهماً متقدماً للدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين حيث لم يعد التأثير يقاس فقط بالتحالفات السياسية بل أيضاً بالقدرة على بناء جسور اقتصادية وتحقيق القيمة المشتركة والتصدي للتحديات العالمية عبر التعاون التجاري.

يتناول التقرير تحليلاً عميقاً للدبلوماسية الاقتصادية الإماراتية في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية والتكنولوجيا المتقدمة والخدمات اللوجستية والتنمية المستدامة ويشير إلى توقيع أكثر من 140 اتفاقية في مجالات متنوعة تعكس التزام الدولة بانخراط اقتصادي ديناميكي ومتعدد المسؤوليات، كما يناقش عدداً من القضايا الاقتصادية الدولية المطروحة حالياً ما يجعله مرجعًا هامًا للباحثين المهتمين بالدبلوماسية الاقتصادية حول العالم.

تعتمد جهود دولة الإمارات في تطوير دبلوماسيّتها الاقتصادية على بنى مؤسسية وتحولات استراتيجية تعيد تشكيل ملامح العمل الدبلوماسي. عبر اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، تعيد الإمارات تعريف مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية لتشمل التجارة الرقمية وحماية الاستثمارات وتحرير الخدمات والتعاون في مجالات الابتكار. تعتبر هذه الاتفاقيات أدوات حديثة للدبلوماسية تعزز هوية الإمارات كشريك موثوق واقتصاد مفتوح وبوابة للأسواق الناشئة في آسيا وإفريقيا وغيرها.

رغم تركيزها على التكامل الاقتصادي العالمي تسعى الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات كذلك إلى دعم تنافسيتها المحلية وتعزيز التنمية المستدامة عبر ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للأعمال مما يعزز الاقتصاد المعرفة ويوفر فرص عمل ويسرع وتيرة الابتكار محليًا.

تساهم هذه الجهود أيضًا في تطوير رأس المال البشري عبر استقطاب المواهب وعقد شراكات تعليم دولي وتنمية المهارات لضمان جاهزية القوى العاملة للمستقبل وتنافسيتها عالميًا. ومن هنا تعمل الدبلوماسية الاقتصادية على محورين؛ تعزيز الشراكات الدولية ودعم القدرة التنافسية الوطنية لتكون حلقة متكاملة تُدار بدقة عبر التنسيق بين الجهات الحكومية وأذرع الاستثمار والقنوات الدبلوماسية.

يمتاز النموذج الإماراتي أيضًا بتوظيف القوة الناعمة لدعم مبادراته الاقتصادية فالفعاليات الكبرى التي تستضيفها البلاد مثل المؤتمر الوزاري الـ13 لمنظمة التجارة العالمية والقمة العالمية للحكومات ومنتدى الاستثمار العالمي للأمم المتحدة وملتقى الاستثمار السنوي لا تُعد منصات للحوار فحسب بل ساحات لاستعراض الفرص الاقتصادية والقيادة البيئية والانفتاح الثقافي مما يعزز صورة الدولة الدولية كدولة مستقرة تركز على الحلول ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعالم.

تلعب أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية دورًا محوريًا في ترسيخ هذا النموذج من خلال برامج التدريب واستشراف المستقبل الاستراتيجي ومبادرات البحث مثل «تقرير الدبلوماسية الاقتصادية». تزود الأكاديمية الحاليين والمستقبليين بالأدوات اللازمة للتعامل بفعالية مع الاقتصاد العالمي ويعتبر التقرير وثيقة استشراف تساعد صانعي السياسات على تحديد الاتجاهات ورصد الفجوات والاستفادة من الفرص الناشئة كما يشير إلى التركيز المتزايد للدولة على تطبيق دبلوماسي قائم على البيانات حيث يتم قياس النجاح وتتبع الأثر وتطوير الأداء الاقتصادي باستمرار.

من أبرز الاستنتاجات الواردة بالتقرير بروز دور دولة الإمارات كحلقة وصل بين الاقتصادات والتكتلات المختلفة سواء عبر تسهيل ممرات التجارة بين الشرق والغرب أو الاستثمار بالبنية التحتية العابرة للحدود أو دعم التكامل الرقمي بين الأسواق مما يضعها كعامل تمكين للنمو العالمي وسط زمن يتسم بالتشرذم الاقتصادي والتوتر الجيوسياسي.

في النهاية لا تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة عبر دبلوماسيّتها الاقتصادية لتحقيق مكاسب آنیة بل تسعى لخلق قيمة طويلة الأمد محليًا ودوليًا وهو ما تجسده رؤية القيادة الرشيدة التي تؤمن بأن الازدهار يتحقق بالتعاون وليس بالعزلة وأن تطور الدبلوماسيا يجب أن يواكب متطلبات عالم سريع التغير.

الإصدار الثاني من «تقرير الدبلوماسية الاقتصادية» يعكس إدراكًا وطنيًّا بأن هذه الأخيرة لم تعد فرعاً ضمن السياسة الخارجية بل أصبحت جوهرها وبالنسبة لدولة الإمارات فإن هذا ليس توجهًا عابرًا وإنما استراتيجية وطنیّة مستدامة قائمةً على الواقعية والطموح والشراكة ومع استمرار تغير المشهد العالمي يقدم النموذج الإمارتّي تجربة ملهمة لجميع دول العالم.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية والآراء الواردة فيها تمثل آراء الكاتب فقط ولا تعكس بأي شكلٍ كان آراء أو وجهات نظر شبكة CNN الاقتصادية.

قد يهمك أيضاً :-