ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية اليوم كيف تعيد الثورة الصناعية الخامسة تشكيل مستقبل المدن من خلال الخوارزميات؟

في بدايات القرن الحادي والعشرين، برزت المدن العربية كرموز للنهضة الصناعية، حيث كانت المصانع وأفران الصهر وأعمدة الدخان تعكس صورة زمنها وعصرها الصناعي، وكانت ضوضاء الآلات تُعتبر نشيداً للتنمية، في حين كان الحديد والصلب يمثلان رمز القوة.

ومع دخول العقد الثاني من الألفية، تغير المشهد بشكل جذري مع ظهور الثورة الصناعية الرابعة، التي جلبت معها أتمتة شاملة وإنترنت الأشياء وذكاء اصطناعي متطور، بينما ركبت مدن العالم هذه الموجة، ظلت العديد من المدن العربية تراقب وتحلم أو تقف على أبواب المصانع التقليدية.

ومع اقترابنا من الثورة الصناعية الخامسة، التي تركز على “الإنسانية الصناعية” وإعادة القيم إلى صميم العملية الإنتاجية، لم يعد المجد يقاس بما تم إنجازه فحسب بل بما يُجرأ على تخيّله.

حاولت الثورة الصناعية الرابعة إعادة تشكيل المشهد الصناعي العالمي من خلال مدن مثل شينزين وميونخ وسيؤول التي أصبحت رموزاً للتحول الرقمي. وفي العالم العربي، كانت السعودية في مقدمة الدول الساعية لتوطين هذا التحول عبر رؤية السعودية 2030 التي جعلت الرقمنة والذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة مرتكزات استراتيجية لها. كما كانت الإمارات أول دولة في العالم تعين وزيراً للذكاء الاصطناعي. وتظهر المدن السعودية مثل الرياض وكأنها تتبنى أنظمة الحوكمة الرقمية والمدن الذكية، بينما تسعى مدينة نيوم بمشروعها الثوري “أوكساچون” إلى تمثيل قلب الثورة الصناعية الخامسة. ورغم التحديات الاقتصادية العالمية، وضعت السعودية معياراً تنموياً خاصاً يجمع بين البنية التحتية الرقمية المتقدمة وتمكين الكفاءات الوطنية.

من ناحية أخرى، تعد مدن أبوظبي ودبي نماذج قريبة من تطور المدن عبر شراكات ذكية مع كبرى شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.

الثورة الصناعية الخامسة تعيد تعريف الصناعة بشكل جذري؛ فهي لا تقتصر على التقنيات بل تضع الإنسان في مركز منظومة الإنتاج وتؤسس لتفاعل ذكي بين البشر والآلات. وقد تبنت مدن مثل طوكيو وكوبنهاغن هذا النموذج المتقدم حيث طورتا منصات رقمية تفاعلية تجمع بين الإنسان والذكاء الاصطناعي لخلق بيئة حضرية مستدامة وفعالة.

وفيما يتعلق بمدينة نيوم السعودية ومشروعها “أوكساچون”، فإنها تقدم نموذجاً ثورياً عالمياً يهدف إلى تطبيق مفاهيم الثورة الصناعية الخامسة بشكل مبتكر يعيد تعريف مستقبل المدن الذكية عالمياً ويقود التحول الصناعي الحضري ليس فقط عربياً بل عالمياً كذلك.

رغم الإمكانات الهائلة التي تمتلكها المدن العربية تواجه تحديات كبيرة في الانتقال إلى الثورة الصناعية الخامسة تشمل البنية الرقمية والفجوة في المهارات وغياب التشريعات المواكبة. ومع ذلك هناك فرصة فريدة للشباب العربي الذي يمتلك قدرة كبيرة على التكيف الرقمي بالإضافة إلى الموارد البشرية والاقتصادية اللازمة لإنشاء مدن ذكية تستطيع جذب استثمارات نوعية وبناء نموذج استدامة فعال.

للانتقال من المصانع التقليدية إلى منصات الثورة الصناعية الخامسة تحتاج المدن العربية إلى استراتيجية شاملة تشمل إعداد مهندسين قادرين على الابتكار وتوظيف التقنيات الذكية عبر برامج تدريب وتطوير نوعية ومستدامة بشراكات عالمية واعتماد التوأم الرقمي في قطاعات التصنيع والخدمات والتزام صارم بمعايير الاستدامة وتطوير أطر الحوكمة الرقمية لحماية الخصوصية وبناء استراتيجية مع رواد المدن الذكية عالمياً.

لقد تغيّر تعريف الصناعة ولم يعد إنتاج الحديد والصلب هو معيار القوة بل القدرة على هندسة الأفكار واستخدام الذكاء الاصطناعي لصناعة قيمة مضافة. والمدن التي تدرك هذا التحول لن تكتفي بالمشاركة في المستقبل بل ستقوم بكتابته بأيديها.

في عصر الثورة الصناعية الخامسة لم يعد كافياً أن تكون المدينة ذكية بالبنية التحتية فقط بل يجب أن تكون ناضجة بالقرار وعميقة في إنسانيتها حيث إن الخوارزميات لا تصنع حضارة ما لم يرافقها وعي ولا تبنى مدينة ما لم تُوجه برؤية واضحة.

إن المدائن العربية تمتلك طاقات شابة وسياقات اقتصادية وثقافية متجددة أمام لحظة فاصلة تتعلق بتوليد وابتكار تجربة خاصة بها بدلاً من تقليد تجارب الآخرين. فالمستقبل كما الصناعة لا يُورّث بل يُنتزع بالخيال!

ولا تعد الأسئلة الكبرى الآن حول عدد المصانع أو امتداد خطوط الإنتاج بل حول الجرأة على كسر القوالب وإعادة صياغة معنى الصناعة ذاتها إذ إن العصر لا ينتظر من يواكب بل من يبتكر معجمه الخاص ومن لديه الشجاعة لإعادة تعريف الصناعة لن يكون جزءًا فقط من مستقبل العالم بل سيصبح المستقبل جزءًا من قصته الخاصة.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية, والآراء الواردة فيها تمثل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.