ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية اليوم وسط قمة روسية-عربية مرتقبة في أكتوبر 2025: شراكة استراتيجية أم توازن للنفوذ؟

دعا الرئيس فلاديمير بوتين قادة الدول العربية وأمين عام جامعة الدول العربية لحضور أول قمة روسية-عربية مقررة في 15 أكتوبر تشرين الأول 2025، وذلك وفقاً لما نقلته وكالات الأنباء الروسية. وأكد بوتين في بيانه الرسمي أن هذا الاجتماع المرتقب سيسهم في تعزيز التعاون المتعدد الأبعاد بين روسيا والدول العربية، مشيراً إلى أنه سيكون منصة لمناقشة ضمان الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي نفس السياق، جاء التحرك الروسي بعد جولة خليجية تاريخية للرئيس الأمريكي، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقيات بلغت قيمتها 600 مليار دولار بين الولايات المتحدة ودول خليجية، من بينها 142 مليار دولار في صفقات دفاعية ومذكرة تفاهم بشأن الذكاء الاصطناعي. وبينما تعزز واشنطن نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي عبر أدوات القوة الناعمة، تسعى موسكو لتوسيع نفوذها السياسي والدبلوماسي في العالم العربي مستخدمةً أدوات أكثر تركيزاً مثل الطاقة والدفاع والدبلوماسية متعددة الأطراف.

تنافس دولي حاد على أسواق واستثمارات المنطقة

وفقاً لتقرير مركز الخليج للأبحاث لعام 2025، فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية لا يزال متواضعاً مقارنة بالعلاقات مع الولايات المتحدة أو الصين. ولم تُحدد التقارير الرسمية رقماً موحداً لحجم التبادل التجاري بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي لعام 2024، لكن البيانات تشير إلى أن دولة الإمارات كانت الشريك الخليجي الأبرز بحجم تجارة بلغ نحو 10 مليارات دولار، بينما لم يتم الإبلاغ عن بيانات دقيقة بشأن السعودية أو قطر أو الكويت.

من ناحية أخرى، بلغت صادرات روسيا إلى قارة إفريقيا نحو 16.4 مليار دولار مقابل 209.2 مليار دولار من الصادرات إلى الدول الآسيوية، مما يعكس موقعاً متراجعاً نسبياً للعالم العربي في أولويات موسكو التجارية حالياً. وتشكل صادرات روسيا من القمح والمنتجات الدفاعية والمعدات الصناعية الحصة الأكبر من تجارتها مع دول عربية مثل الجزائر، بينما تتركز وارداتها على البتروكيماويات والمعادن والمنتجات الزراعية.

لكن على الرغم من هذه الفجوة، فإن التنسيق السياسي والطاقة النووية والتعاون الدفاعي يمثلان مجالات واعدة للنمو، خصوصاً مع دول مثل الإمارات التي أبرمت اتفاقات دفاعية وعلمية مع موسكو في السنوات الأخيرة.

الطاقة.. أوبك بلس بين الشراكة والتوترات

التعاون بين موسكو والرياض داخل تحالف أوبك بلس يبقى أحد أبرز أوجه التقاطع الاستراتيجي خاصةً في إدارة أسواق النفط. ومع ذلك، يشير التقرير إلى وجود توتر مستمر خلف الكواليس بين موسكو ودول الخليج بسبب خرق بعض الأعضاء لالتزام حصص الإنتاج ما دفع السعودية للتهديد بـ”حرب أسعار” كأداة ضغط.

ورغم هذه التباينات إلا أن الجانبين يدركان أن استقرار السوق النفطية العالمية يحتاج إلى تنسيق مستدام خاصةً مع دخول لاعبين جدد من إفريقيا وأميركا اللاتينية وتصاعد المنافسة في سوق الطاقة البديلة.

توازن لا انحياز

تظهر دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات قدرة متقدمة على إدارة علاقاتها الدولية بمرونة دون انحياز نهائي لأي محور عالمي. وبينما تظل التحالفات العسكرية والتكنولوجية مع واشنطن ذات أولوية لدول الخليج إلا أنها لا تمانع الانفتاح على موسكو شريطة الحفاظ على المصالح السيادية ومبادئ التوازن في السياسة الخارجية.

جدير بالذكر أن الاستراتيجية الخليجية تهدف إلى تنويع الشراكات وليس استبدالها مما يجعل قمة موسكو فرصة لتطوير قنوات تعاون جديدة قد تعود بالنفع على جميع الأطراف المعنية.

اختبار للجدية الروسية في تقديم مبادرات قابلة للتنفيذ

في ظل الضغوط الغربية التي تواجهها موسكو منذ الحرب الأوكرانية تسعى روسيا لإعادة صياغة حضورها الدولي من خلال علاقات جنوب-جنوب تكون الدول العربية فيها محاور رئيسية. لكن نجاح القمة لن يُقاس بالبيانات السياسية أو الصور الجماعية بل بقدرة روسيا على طرح مبادرات اقتصادية وتمويلية قابلة للتنفيذ مثل تسهيلات استثمارية واتفاقات نفطية عادلة ومشاريع بنى تحتية حقيقية.

ستكون القمة الروسية-العربية المقررة في أكتوبر تشرين الأول لحظة كاشفة لمدى قدرة موسكو على تقديم عرض تنافسي في منطقة تشهد تنافسًا شرسًا بين الولايات المتحدة والصين والهند. وتدخل الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج هذه القمة من موقع قوة إقليمي ومالي حيث تبحث عن شركاء يعترفون بها كقوة تفاوض وليست مجرد سوق؛ فإذا كانت موسكو مستعدة للانتقال من الخطاب السياسي إلى الأدوات الاقتصادية الجادة فقد تجد نفسها أمام فرصة لتعزيز علاقاتها مع العالم العربي بشكل فعّال ومؤثر.