ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية اليوم وتأثيره على مصر وتركيا والغاز والنفوذ دبلوماسية الأقواس المفتوحة في زمن التغيرات الاقتصادية

لطالما اتسمت العلاقات المصرية التركية بتقلبات حادة تُعبر عن مزيج معقد من التنافس والتعاون، يجمع بين البرود السياسي والتشابك الاقتصادي المتنامي.

على الرغم من سنوات الجفاء الدبلوماسي التي أعقبت عام 2013، لم تتوقف المصالح الاقتصادية بين البلدين بل شهدت نمواً لافتاً في حجم التبادل التجاري، مما يعكس قدرة الاقتصاد على تجاوز الحسابات السياسية البحتة.

تتجلى هذه المفارقة بشكل أوضح في ملف الطاقة، حيث تتقاطع طموحات أنقرة مع موقع القاهرة المحوري في خريطة الغاز شرق المتوسط، وبينما تتنافس الدولتان على النفوذ الإقليمي ومواقع التحالفات، لا يغيب من المشهد سعي الشركات التركية للاستثمار في السوق المصري واهتمام أنقرة بإيجاد موطئ قدم في معادلة الطاقة المتغيرة.

هذا التداخل بين الخصومة والتقارب يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين البلدين: هل هي شراكة اضطرارية أم توازن مصالح مؤقت؟ وهل يمكن للملف الاقتصادي أن يكون رافعة لتطبيع شامل، أم أنه مجرد استثناء في معادلة سياسية مضطربة؟ تلك هي بعض الإشكاليات التي تسعى هذه السطور لتفكيكها عبر قراءة معمقة لتناقضات المشهد المصري التركي

وفيما تستعد مصر لاستقبال ضيف ثقيل خلال الأشهر الأربعة المقبلة ألا وهو فصل الصيف المتوقع أن يكون أشد حرارة من فصول الصيف السابقة، تبرز تناقضات الموقف المصري التركي الذي يبدو أننا أمام مشهد بطله الغاز الذي قد يذيب ما تبقى من الجليد بين القاهرة وأنقرة.

تركيا ومصر والنموذج المرن

مع انتصاف مايو الحالي، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار أن وحدة تخزين عائمة للغاز الطبيعي المسال (FSRU) مملوكة لشركة الطاقة الحكومية بوتاش تم إقراضها إلى مصر، مما يمثل المرة الأولى التي تعمل فيها وحدة من هذا النوع من تركيا في الخارج بشكل مؤقت.

جاء ذلك في بيان مكتوب لبيرقدار عقب اجتماعه مع وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي، حيث أسفر الاجتماع الذي تزامن مع الذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر عن توقيع اتفاقيتين رئيسيتين لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، ما يمثل معلماً جديداً في التواصل الدولي لتركيا في مجال الطاقة.

بيرقدار أكد أيضاً أنه “مع توقيع العقد بين شركتنا الوطنية بوتاس وشركة الطاقة الحكومية المصرية إيجاس سيتم نشر وحدة عائمة لتخزين الغاز الطبيعي من أسطول بوتاس خارج البلاد لأول مرة”، مشيراً إلى أن هذا سيمكن من تطبيق نموذج مرن وفعال يسهم في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي لكل من تركيا ومصر، آملاً أن تعود هذه الخطوات بالنفع على كلا البلدين.

الغاز يكمن في التفاصيل

تحمل تفاصيل الإعلان التركي دلالات شاملة على ترسيخ التعاون المؤسسي في قطاعي الهيدروكربونات والتعدين بين القاهرة وأنقرة ونشر وحدة تركية عائمة لتخزين وإعادة تغويز الغاز الطبيعي.

يحمل الإعلان التركي أيضاً دلالات تشير إلى ذوبان الجليد مع القاهرة ويعكس شراكة متنامية ولكن بقواعد جديدة حيث تصدرت تركيا قائمة الدول المستوردة للغاز المسال المصري عام 2023 باستيراد 933 ألف طن بينما اختلف الوضع كثيراً تحديداً بعد توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي رفيعة المستوى و17 مذكرة تفاهم كذلك قبل أقل من شهرين تم إعلان شركة إرجياس التركية عزمها إنشاء مصنع في مصر لإنتاج أنابيب النفط والغاز الطبيعي باستثمارات قدرها 60 مليون دولار.

مصر وتركيا وما وراء الأرقام

مسار الأرقام الذي يربط القاهرة بأنقرة والعكس يكشف وجود دوافع متبادلة إذ تسعى تركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر شراكات دولية واتفاقيات استكشاف مع دول إقليمية مثل ليبيا والعراق وأذربيجان وهنا نستطيع إضافة مصر بهدف تحقيق الاستقلالية ودعم حضورها الخارجي رغم التحديات الجيوسياسية المحيطة بالعالم.

في المقابل تستهدف مصر عقد اتفاقيات خارجية لتأمين احتياجاتها وتقليص اعتمادها على الاستيراد المتزايد بسبب تراجع الإنتاج واتساع فجوة الإمداد التي بلغت 200 ألف برميل يومياً عام 2024 وبالتالي يبقى السؤال مفتوحاً حول تأثير حرارة الصيف المقبل بالقاهرة وعدم تعاطي الحكومة إعلامياً مع إعلان بيرقدار الخاص بسفينة التغويز رغم قدرته على تخفيف الضغوط نوعاً ما عن حكومة الدكتور مدبولي.